اعلم أنّ السالکین الذین یستدلّون بوجود الآثار على الصفات، و من الصفات على الذات، لهم طرق کثیرة، أجودها طریقان:
أحدهما معرفة النفس الإنسانیة: (وَ فِی أَنْفُسِکُمْ أَ فَلاتُبْصِرُونَ) هذا أجود الطرق، بعد طریق الصدّیقین.
و ثانیهما النظر فی الآفاق و الأنفس؛ کما أشار إلیه بقوله- تعالى-: (سَنُرِیهِمْ آیاتِنا فِی الْآفاقِ وَ فِی أَنْفُسِهِمْ حَتَّى یَتَبَیَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ). و فی القرآن آیات کثیرة فی هذا المنهج، و لهذا مدح اللّه الناظرین فی خلق السماوات و الأرض و أثنى على المتفکّرین فی آثار صنعه وجوده و لإثبات هذا المطلب منهج آخر، و هو الاستدلال على ذاته بذاته؛ و ذلکلأنّ أظهر الأشیاء هو طبیعة الوجود المطلق - بما هو وجود مطلق-، و هو نفس حقیقة الواجب- تعالى-، و لیس من الأشیاء- غیر الحقّ الأول- نفس حقیقة الوجود؛ فیثبت من ذلک إثبات المبدأ الأعلى و الغایة القصوى.
و الحقّ أنّ معرفة وجود الواجب أمر فطری، لا یحتاج إلى برهان و بیان؛ فإنّ العبد عند الوقوع فی الأهوال و صعاب الأحوال یتوکّل بحسب الجبلّة على اللّه- تعالى- و یتوجّه توجها غریزیّا إلى مسبّب الأسباب و مسهّل الأمور الصعاب و إن لم یتفطّن لذلک، و لذلک ترى أکثر العرفاء مستدلّین على إثبات وجوده و تدبیره للمخلوقات بالحالة المشاهدة عند الوقوع فی الأمور الهائلة- کالغرق و الحرق و فی الکلام الإلهی- أیضا- إشارة إلى هذا. فما أضلّت « الدهریّة و الطباعیّة و البختیّة و إخوان الشیاطین! الذین یتشبّهون بالعلماء و یکذّبون أنبیاء اللّه و یزعمون أنّ العالم قدیم و لا قیّم له؛ فمثواهم الجحیم و جزاؤهم البعد عن النعیم.
توضیح عقلی
اعلم أنّ إنیّته- تعالى- ماهیته، و وجوده - تعالی وجود کل شیء، و وجوده عین حقیقة الوجود من غیر شوب عدم و کثرة؛ لأنّ کل ماهیّة یعرض لها الوجود ففی اتّصافها بالوجود و کونها [مصداقا] للحکم به علیها، تحتاج إلى جاعل یجعلها؛ و لمّا ثبت «امتناع تأثیر شیء فی وجوده»، من جهة أنّ العلّة تجب أن تکون مقدّمة على المعلول بالوجود، و تقدّم الماهیّة على وجودها بالوجود غیر معقول، فوجوده- تعالى- ماهیّته، و ماهیّته وجوده.و لأنّه لو لم یکن وجود کل شیء، لم یکن بسیط الذات و لا محض الوجود؛ بل یکون وجودا لبعض الأشیاء، و عدما لبعض؛ فلزم فیه ترکیب من عدم و وجود و خلط بین إمکان و وجوب، و هو محال.
فوجوده وجود جمیع الموجودات، لکونه صرف الوجود: (لا یُغادِرُ صَغِیرَةً وَ لا کَبِیرَةً إِلَّا أَحْصاها) فهو الأصل و الحقیقة فی الموجودیّة، و ما سواه شؤونه و حیثیّاته ؛ و هو الذات، و ما عداه أسماؤه و تجلیّاته و مظاهره؛ و هو النور، و ما عداه ظلاله و لمعاته؛ و هو الحق، و ما خلا وجهه الکریم باطل: (کُلُّ شَیْءٍ هالِکٌ إِلَّا وَجْهَهُ) ، (ما خَلَقْنَا السَّماواتِ وَ الْأَرْضَ وَ ما بَیْنَهُما إِلَّا بِالْحَقِّ)
فالوجود الحقیقی هو وجود الواجب المسمى ب «وجوب الوجود»؛ و وجود ما سواه وجود مجازیّ مسمّى ب «وجوب بالغیر». و قد یعبّر عنهما ب «السکون» و «الحرکة» ؛ بخلاف الواجب بالذات، فإنّه موجود بجمیع الاعتبارات فی جمیع المراتب، فکأنّه استقرّ على ما هو علیه. فتحدّس من ذلک معنى الوجود و عدمه
المظاهر الالهیة فى اسرار العلوم الکمالیة(صدرالمتالهین)،بیناد حکمت صدرا/تهران/ 1387 ه ش/اول /ص: 20-25